أكثر الأنبياء صبرا
أكثر الأنبياء صبرا
خص الله الانبياء بإبتلاءات كثيرا و مريرة لنتعلم منهم و ليكونوا لنا القدوة على الصبر
صبر آدم على مفارقة الوطن الأول من الجنة، وصبر نوح على فقد الولد، وصبر
إبراهيم على مقام ذبح الابن، وصبر يعقوب على فراق يوسف، وصبر موسى على أذى
الطاغية، وصبر داود على مـــــرارة الندم، وصبر سليمان على فتــنة الدنيا،
وصبر عيسى على ألم الفقر،
وأما رسولنا صلى الله عليه وســــلم فصبر عليها كلها، وعاشـــــها كلها،
وذاقها كلــها، ففــــاز بالمقامات كلها، صبر على فــــراق الوطن، ومراتع
الفتوة، وملاعب الصـــبا، وربــــوع الشـباب، فترك الأهل والعشـــــيرة،
والدار والمال، وصـــبر على فقد الولد، فسالت أرواح أبنائه بين يديه،
وقعقعت أنفسهم أمام ناظريه.
وصبر على ألم الأذى فأوذي في المنهج والوطن، والسمعة والخُلُق، والرسالة والزوجة.
وصبر على شماتة العدو، وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحـــــاسد،
وتشفي الحاقد، وتألب الخصــوم، وتكالُبِ الأحزاب، وتكاثر المنــاوئين،
وصولة الباطل، وقلة الناصر، وصبر على شظف العيــــش، وجفـــاف الفقر، ومضض
الحاجة، وقــلة ذات اليد، وجـــدب النفـــقة، وعوز المعيشة، وحـــرارة
الجــــــوع، ومرارة الفاقة.
وصبر على غلبة الخصم، وقتل القريب، وأسر الحبيب، وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع،
والجراح في البدن، وفزع التهديد والوعيد، وقعقــــعة الغارات، وأهوال الغزوات.
وصبر على بطر الأغنياء، وزهو الكبراء، وشراسة الأدعياء، وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة،
وسوء أدب الجفاة.
وصبر على خيانات اليهود، ومراوغة المنافقين، ومجابهة المشركين، وبطء استجابة المدعوّين.
صبر وهو يرى الكنوز تفرّغ في أوعية الناس فلم يأخذ منها درهماً واحداً.
وصبر وهو يشاهد القناطير المقنطرة من الذهب والفضة يتقـــاسمها النــاس ولم يحمل منها قطميراً.
ثم صبر على فرح الفتح، وسرور الانتصار، وجلبة إقبال الدنيا، وإذعان الملوك، واستسلام الجبابرة، ودخول الناس في دين الله أفواجاً.
صبر وهو يحوز قطعان الإبل والبقر والغنم كالآكام، ثم يوزعها على مسلمة
الفتح، ولم يظفر بجمل أو بقرة أو شاة وصبر على سكنى بيت الطين، وعلى أكل
الشعير، وعلى افتراش الحصير، وعلى ركوب الحمار، وعلى لباس الصوف.
الأب مات ولم يره، والأم توفيت ولم تتم رضاعه، والجد فــــارق الدنيا ولم
يحطه برعاية، والعـــم ذهب وقت النضال، وخديجة ودّعت يوم الحزن، والابن
ســــالت روحه يـــــوم تمام الحــــب، وعائشـــة تُرمى ساعة كمال الأنس،
وحمزة يُقتل زمن المصاولة.
أنِسَ بالمدينة فنغَّص عليه المنافقون أُنسَه، استبشر بالنصر في بدر فأسرعت
إليه غصة الألم في أُحد، أزهر وجهه كالقمر ليلة البدر فشجَّ بالسِّهام.
وتلألأت أسنانه كالبرد فكسرت ثنيتُه في المعركة، سبقت ناقته الإبل فسبقها
أعرابي على قعود، ليبقى أجره في الآخرة موفوراً، وسعيُه عند ربِّه مشكوراً.
وليلقى ربَّه مسروراً، ليجتمع له الثواب كله، أوَّله وآخِرُه، قديمه
وحديثه، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
واستحق ذلك لأنه صبر فله الزلفى، وتمــــام الرفعة، والوسيلة، والفضـــيلة. والمنــــازل الجلــيلة،
لأنه صبر.
وله المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، لأنه صبر. وله الشفاعة، والخطاب، والقرب، والحظوة، لأنه صبر.
كذبوه،شـــــتموه، سبوه، آذوه، فنـزل ( اصبر على ما يقولون ).
حاربوه، نازلوه، طاردوه، قاتلوه، فنـزل ( واصبر وما صبرك إلا بالله ).
هجــروه، وأعرضوا عنه، وصدُّوا عن سبيله، ووقفوا في طريقه، فنـزل ( فاصبر صبراً جميلاً ).
طال عليه المدى، ترقّب النصر، كثر العدو، تزاحمت النكبات، فنـزل ( فاصبر كما صبر أُولُوا
العزم من الرسل ).
فصبر صبراً جميلاً في كل مقامات العبودية، صبر في رضاه وغضبه، وسلمه وحربه، وغناه وفقره،
فصار إمام الصابرين، وقدوة الشاكرين.
اللهم ثبِّتنا على سنته، ووفقنا لسيرته، وانصر بنا دعوته