يحدثنا الكاتب الإنكليزي الشهير ويلز في إحدى قصصه الخيالية عن كاتب حسابات كان يصنع المعجزات. لقد جعل القدر من هذا الشاب البليد جدا صاحب موهبة مدهشة فما كان يتمنى شيئا إلا ويراه يتحقق في الحال. ولكن ظهر أن هذه الموهبة المغرية لم تجلب لصاجها وللناس شيئا سوى المضايقات. وسوف نجد في نهاية هذه القصة عظة بالغة للناس.
فبعد حفلة شرب استمرت حتى وقت متأخر من الليل خشي كاتب الحسابات هذا من العودة إلى بيته مع مطلع الفجر ففكر في استخدام موهبته لإطالة الليل. كيف يمكن القيام بهذا العمل ؟ يجب أن يأمر النجوم بالتوقف عن حركتها. ولكن كاتب الحسابات لم يقرر القيام بهذا العمل الباهر في الحال وعندما نصحه صديقه بإيقاف القمر راح ينظر إلى القمر بإمعان ، ثم قال لصديقة بتأمل: يبدو لي أن هذا الأمر ليس في يدي … ما هو رأيك ؟ وهنا ألح عليه صديقه ميديك قائلا : ولكن لماذا لاتحاول ذلك ؟ أن القمر لن يتوقف بطبيعة الحال لانك ستوقف دوران الأرض فقط وليس في ذلك ما يسئ إلى أي شخص كما أتتوقع! فتمتم كاتبالحسابات الذي كان اسمه فوتيرينجى قائلا : ـ حسنا، ساحاول…
واتخذ وقفة الآمر، ومد يديه فوق العالم قائلا بلهجة المنتصر : توقفي أيتها الأرض! كفي عن الدوران! ولم ينته من نطق ذلك الكلام حتى حلق الصديقان في الفضاء بسرعة بلغت عدة عشرات من الأميال في الدقيقة الواحدة. وعلى الرغم من ذلك استمر في التفكير. وفي أقل من ثانية استطاع أن يفكر ويقول في نفسه الشيء الذي يتمناه: ليحدث مهما يحدث أما أنا فاريد أن ابقي حيا دون أن أصاب بأذى! ويجب الاعتراف بأن هذه الأمنية جاءت في وقتها بالذات.
ومرت على ذلك عدة ثوان أخرى سقط بعدها كاتب الحسابات على تربة حدثيه العزق وقد تراكمت حوله أنقاض المباني ومختلف القطع المعدنية دون أن تصيبه بأذى وارتفع في الهواء جسم بقرة مسكينة بعد أن تحطمت عند اصطدامها بالأرض. وهبت الرياح بقوة رهيبة حتى أنه لم يتمكن من رفع رأسه ليرى ما يدور حواليه. وهتف بصوت متقطع: إنني لا أدرك جلية الأمر، ماذا حدث؟ أهي عاصفة أم ماذا؟ لابد وأنني قد فعلت شيئا ما بصورة غير صحيحة.
ثم نظر حوله بقدر ما سمحت له الرياح وحاشية سترته المرفرفة ، واستمر قائلا: يبدو أن كل شئ في السماء قد بقى على حاله ولم يتغير، وها هو ذا القمر في مكانه. ولكن ماذا حدث لبقية الأشياء الاخرى… أين المدينة؟ أين المنازل والشوارع؟ وكيف هبت الرياح؟ أنا لم أطلب من الرياح أن تهب.
وحاول فوتيرينجى أن يقف على قدميه ولكن ظهر أن الأمر مستحيل ولذلك أخذ يزحف قليلا على يديه ورجليه متشبثا بأحجار ونتؤات الأرض. وبالمناسبة لم يكن هناك مكان يذهب اليه. لان كل ما استطاع أن يراه من تحت حاشية سترته التي ألقتها الرياح على رأسه ، كان عبارة عن خراب شامل. ثم فكر وقال في نفسه : لقد حدث للكون شئ خطير ولكن ما هو بالذات لا أحد يدرى.
ولقد حدث بالفعل شئ خطير. لم تبق هناك منازل ولا أشجار ولا أية مخلوقات حية أخرى. وكل ما بقى هو عبارة عن أنقاض وشظايا متناثرة هنا وهناك لا تكاد العين تراها إلا بصعوبة وسط عاصفة شاملة من الغبار. إن المسئول عن كل هذا العمل لم يفهم حقيقة الأمر بالطبع بينما كان السبب قد اتضح ببساطة.
فعندما أوقف فوتيرينجى الأرض فجأة لم يفكر بالقصور الذاتي الذي يعمل عند التوقف الفجائي للحركة الدورانية على إلقاء كافة الأشياء الموجودة على سطح الأرض بعيدا عن ذلك السطح. ولهذا السبب بالذات انفصلت المنازل والناس والأشجار والحيوانات وبصورة عامة كل الأشياء الوثيقة الاتصال بكتلة الأرض الأساسية وطارت بسرعة الرصاصة على خط مماس لسطح الأرض. وبعد ذلك سقطت تلك الأشياء جميعها على سطح الأرض وتحطمت.
وفهم فوتيرينجى أن المعجزة التي قام بها لم تكن ناجحة بصورة خاصة. ولذلك اشمأزت نفسه كثيرا من كافة المعجزات وعاهد نفسه على عدم القيام بأية معجزة بعد ذلك. ولكن يجب قبل ذلك إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الكارثة التي أحدثها. لقد ظهر أن هذه الكارثة كانت كبيرة جدا حيث اشتدت العواصف وحجبت سحب الغبار وجه القمر وسمع من بعيد هدير المياه المقتربة حتى أن فوتيرينجى رأى على ضوء البرق جدارا كاملا من الماء يقترب بسرعة رهيبة من المكان الذي كان منطرحا عليه.
وهنا أصبح ثابت العزم وصرخ مخاطبا الماء: قف! لا تتقدم أية خطوة إلى الأمام! ثم وجه نفس الأمر إلى كل من الرعد والبرق والرياح. وبعد ذلك، بدا كل شئ هادئا تماما. وجلس القرفصاء، واستغرق في تفكيره: كيف يمكنني أن احول دون تكرر حدوث مثل هذا الهرج والمرج. وبعد أن فكر قال في نفسه : “أولا وعندما تنفذ كل أوامري الآن سوف أطلب أن أفقد قدرتي على صنع المعجزات لأكون مثل بقية الناس العاديين. ولا حاجة لي بالمعجزات، أنها لعبة خطرة للغاية. ثانيا لتعد كل الأشياء إلي سابق عهدها لأرى نفس المدينة ونفس الناس والمنازل ذاتها وأرى نفسي شخصيا كما كنت عليه في ذلك الحين”.