موضوع: أمة الحبيب المصطفى الأربعاء فبراير 24, 2016 4:55 pm
فشل و تنازع و عصيان
عندما يتطلع المؤمن في حياته التي هي جزء من كيان يضم اليه جموع المؤمنين والذي قد أسس على نهج رباني سار عليه الحبيب المصطفى في إنشاء مملكة الرحمن على الأرض لتكون واقعاً ملموساً و ليس ديناً نظرياً لا يطبق على الواقع بل و ليكون نبراساَ تسيرعليه أمور الدنيا بسلاسة الماء العزب الذي يجري في عروق الحياة فيدرك المؤمن الراضي بأن أمور الحياة تجري وفق نظام شرعه الله لعباده فتكون ملاذاَ لهم في جميع أمور دنياهم فإذا ما صلحت الدنيا من حولنا صلحت عليه أمور أخرتنا. فالعمل الذي يبنى على أسس واضحة بينة لا يمكن أن يكتب لها الفشل ، فكيف إن كانت هذه الأسس قد أرسيت دعائمها من قبل الله عز وجل؟
و لعل أكبر إنجاز عملي تم إرساؤه في أدق مجاري حياتنا هو المجتمع المدني الذي بناه سيدنا الحبيب المصطفى بعد هجرته من مكة المكرمة التي كانت تمشي في تخبط و عنجهيات و قبليات مبدأوها الفتوة و العصبية و الثأر ، إلى شكل مغاير تماماً بدأت منذ أن خطى رسول الله أول خطواته في المدينة المنورة (يثرب) . ومنذ تلك الخطوة الأولى الواضحة ما لبثت أن تلتها خطوات متلاحقة بسرعة كبيرة تم فيها نقل و تفسير ما شرعه الله مباشرة وعلى أرض الواقع أرض المدينة المنورة فإن كانت كلمات الله كأفعل و أعمل و أقراء وهي مجموعة من الأوامر و النواهي فقد تم البناء عليها وعلى أرض الواقع في المدينة المنورة و مباشرة دون اللجوء إلى تقديم عروض وأستدراج لشركات محلية أو أجنبية لتقوم بتحليل الأوامر و القواعد ، بل كان الحبيب المصطفى يأخذها ومعه المؤمنون كمنفذون لما كان ينزل منطلقين من مبدأ "سمعنا و أطعنا " فساد السلام في يثرب منذ اليوم الأول بل أصبحت الحياة اليومية تسير بطابع من الطاعات والتي طبعت في القلوب فأحبتها ودخلت في شغاف القلب ورضيها العقل. لقد أصبحت أمور وقوانين الله كالأنفاس التي تتنشق أكسجين الحياة التي لا تصلح حياة بدونها .. فلم تعد العشيرة و القبيلة و العصبيات لها مكان في مجتمع واقعي ستكون شاهداً على أن نهج الله هو ما يصلح حياة العباد و يسود فيه المودة و السلام فإن بدأ التلاقي بعبارة "السلام عليكم و رحمة الله و بركاته " فإنها لا تنتهي إلى بمجتمع يضم أفراد تجمعهم من الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب كلمات هي مفاتيح الحب و السلام منذ اللحظة الأولى في أي مكان لا يمكن تواجده البتة في أي مكان و لا نظام آخر. و تسير أمور الدنيا و تكبر المدينة و تكبر عيون الحاقدين على هذا النجاح الذي قد قلب عليهم سحرهم و تباهيهم المزعوم فيقف الشر في و جه الخير يريد أن يطيح به و لكن كلمة الله هي الباقية .و يحاول المشركون و الكافرون لشراء النفوس الضعيفة و لكن الإيمان إن ملئ القلب حباً و إيماناً لا يمكن أن يرتضي غير الإسلام ديناً و عقيدة .ففي قلب كل مؤمن هناك كلمات الرحمن منزلة في قرآن جامع شامل لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، بل تحدى الله البشر قاطبة أن يأتوا بكتاب مثله فيه من التشريع و القوانين و الوزن لكل الأمور الحياتية لصالح الإنسان و سلامته و خلاصه ، ومازال التحدي للعقول المقفلة الجامدة بأن يأتوا بقرآن مثله، بل بسورة، بل بآيات، و لكن لم و لم يستطيعون أن يأتوا بكلمات القرآن الكريم إذ تدخل القلوب و العقول كالبلسم العليل فتهدء النفس له و تردده الألسن مترنمة بجماله..فإن عجز المبطلون أن يأتوا بمثله لهو الدليل على أن ما صلح أيام الحبيب المصطفى و الصحب الكرام هو أيضا يصلح لكل زمان بل و هو الوحيد الذي بإمكانه من إعادة عزة المسلمين وإلى ما صلحت عليه حياة المؤمنين سابقاً و لاحقاً و في كل مكان و زمان. حتى و لو خطر على بالنا و في زماننا الحالي ذلك السؤال "هل صلحت حياة المدينة بشكل مثالي ؟" نعم و لا ..نعم بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي الذي كان يعيش عليه المؤمنون ينهلون من نهج الله و تطبيق رسول الله فعلم كل مؤمن مبادئ الإسلام وصدق التوحيد وعدم الإشراك فعلم الفرد المؤمن في المدينة أول تجربة حقيقية لما له من حقوق و واجبات وكذلك ما عليه، فتم الويئام ما بين المجتمع المسلم تلك النواة الأولى في أمة الإسلام التي أمتدت من نقطة على أرض الواقع له أحداثياته و أبعاده الجغراقية لتمتد بعدها إلى الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب أمتداداً سريعاً لا يوازيه أمتداد حتى وصلنا في عامنا الحالي و سيبقى ما بقيت كلمات الله إنشاء الله. ومن ناحية ثانية فلا بد أن نذكر أيضاً بأنه كانت هناك في المدينة المنورة تجربة فشل ليس عيباً في أركانه بل أن سببه تلك المكونات الأخرى التي كانت تعيش إلى جانب المسلمين من يهود و نصارى، فمن الطبيعي أن يكون هناك تلك الأحتكاكات والمناورات، فهي إن كانت تلتقي جميعها مرتكزة على حسن الجوار في أمورها المدنية ، و لكنه بنفس الوقت كانت هناك تقلبات و مواجهات من بعض الأطراف والتي كانت تثير النزاع و الفراقة مستخدمة طرقاً لبث الخلاف و التشكيك بهدف تشتيت تلك الخطوات الفتية القادمة من مكة و تشتيت أفرادها الناشيئة لعلهم يوقفوا هذا المد الجديد ..رغم أن المد لم يكن في الواقع جديداً، فشرعة الله قد أرتضاها الله لعباده منذ أن تم إرساء شريعة الله على الأرض منطلقة من كلمة الإخلاص "لا إله إلا الله " فلا يعبد سوى الله و لا سلطان إلا لله. فلم يتغير هذا الأساس في الوحدانية إلا بتغير قلوب العباد بعد أنقضاء الوحي و مرور الزمن فيتغير الناس و تدخل الخزعبلات و تلاعب المتلاعبين حتى إذا ما طغوا وظلموا عادت رحمة الله ثانية تذكر الناس بالعودة إليه من خلال إرسال الأنبياء و المرسلون لعلهم يعيدوا الناس إلى صوابهم و لتعود كلمة التوحيد هي الصحيحة الناصعة لا لبس فيها تتناقله العباد من جيل إلى جيل، منطلقة من آدم عليه السلام ومروراً بمن ساد ثم باد، حتى وصلت إلى شبه الجزيرة العربية وإلى العرب و بلسان عربي مبين مهد سيد الأولين و الأخرين وخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، فأين الجديد ؟ من منظور الإنسان لم يكن هناك جديد، فلم يتغير الإنسان لانه معروك و مفطوم على حب الخير رغم أن طبيعة الشر أيضاً تحوم بين جوانحه، فالنفس امارة بالسوء إلا من رحم ربي وهذا حال الدنيا القائم على نزاع وصراع أزلي ما بين الحق و الباطل و النور و الظلام، مثاني متواترة على طول الزمان، فتارة يسود الشر و الظلم و القتل ، و تارات يسود فيها السلام ، و لا سلام حقيقي إلى بالعودة إلى شريعة الله "و تلك الأيام نداولها بين الناس" ، فأين الناس بل الحضارات التي سادت لحقب طوال ؟ و لكنها بادت و أنقضت ، بل أين فرعون و هامان و قارون ؟ بل أين الرومان و أين تلك المملكة التي لم تكن الشمس لتغرب عن ملكها ؟ ذهبت و ذهب ريحها ..و هذا هو مغزى كتابتي التي تتناول الإنسان، ففي قبوله ورضائه بالله رباً و مشرعاًتستكين اليه النفوس و يطيب مقامها، فإذا ما شردت عن الصواب و غرها دار و مقام و نفوذ و سلطة ، فإنه سرعان ما يتكرر مآسي الإنسان بقلبه للأمور و الأولويات فبدلاً أن يرضي الله و شرع الله ، يريد أن يرضي الكفرة والذين لا يخفون أنفسهم و يقولونها صراحة متطاولين على الله وقد غرتهم قوتهم النووية و الذرية حتى ظنوا أنهم قادرون عليها !! فترى من تسموا بإسم الإسلام و تظللوا تحت عباءته يطيعون الكفرة و يأتمرون بأمرهم و يرسمون لهم تحركاتهم ، فمن يعادوا و من يتصالحوا و من يحاربوا و من يقتلوا حلف حلف الشيطان ! حتى إذا ما تم أستبدال القوانين الإلهية بأخرى إنسانية و ضعية ، فإن الإنسان يضل و يشرد و ينئ بظله عن خالقه و يحاول أن يطبق قوانين من وحي مصالحه الإستعمارية أو التجارية أو السلطوية ، فيختل ميزان الحق والعدل و الصواب. و تمتد يد الله لعبادة المؤمنين لعلهم يرجعون موضحاً سبل الضلالة و الضياع إن أطاع العبد عبداً مثله و تركوا عبوديتهم لله ، و يبدأ صوت السماء بوتيرة معاتبة للمؤمنين .. نعم للمؤمنين بصورة خاصة مخاطباً "يا أيها الذين أمنو إن تطيعوا الذي كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين " سبحان الله فقط لمجرد إطاعة من لديه السلطة من الدول التي تسمى بالدول العظمى التي لا تقف مع الضعيف بل تستقوى عليه كيما يظل الضعيف ضعيفاً محطماً نفسياً و أقتصادياً و يظل مرتعاً للأسواق العالمية و تصريفاً لمنتجاتهم ! و كأنها لعبة ،بل هي لعبة يخطها الكفرة الفجرة فيلعبون بقوانينهم الوضعية فيحللون و يحرمون وهم يلمحون بعصى التأنيب و التعذيب و المقاطعة و الحظر على من تسول لهم أنفسهم بالمطالبة بالحق و أي حق ستجده عند الكفرة الفجرة؟ هاهي اجساد المسلمين تقطع إرباً إرباً لخمس سنوات دون أن تقف عظمتهم و سلطانهم على يد المعتدي الأثيم بل و يظل القتل و تطول المعاناة حتى تصبح شئ مقبول لا تتحرك له مروءة و لا إنسانية ، هذه هي الحقيقة التي نحصدها عند غياب الحق وتناسي قوانين السماء و شرع الله، حتى تصبح جميع الأمور جائرة بعيدة عن الحق ، بل إن الظلمة لا يريدون للضعفاء أو المسيطر عليهم ذهنياً و أقتصادياً أن يطالبوا بحقوقهم ..فهل تستغرب أن يقف الكفرة الفجرة مكتوفي الأيدي و هم ينظرون إلى أمة محمد وهي تسعى لأن تعيد إرثها السماوي الوليد الذي جبلت على حب الله في قلوبها من مشارق الصين و حتى مغارب حدود فرنسا و النمسى ؟ و لعلك عندما تتأمل في سورة آل عمران تلك الأيات التي تصور لك صراع النفوس وتخص بالذات المؤمنين، تلك النفوس التي جبلت على حب الخير و الحق و الإيمان و تلك التي جبلت على الحب الخالص للحياة و حب الثروات و الجاه و حب الدنيا بجشع يجعلك تسير وراء الدنيا تلهث كما يلهث الذئب أو الكلب .. تصور يا أخي كيف يضعك الله في صورة بيانية عجيبة رائعة فتقرأها و تشعر و كأنك فيها أو ماذا لو كنت من هؤلاء المؤمنين الذين كانوا يقاتلون قتالاً مصيرياً في تلك الغزوة ؟ فتتساءل في نفسك كما سأل الله المؤمنين قبيل النصر و في ساحة القتال : ترى ماهو هدفك ؟هل هو نصرة الله و حده أم أنك تقاتل لغنيمة ترضاها ؟ الم أقل لك إنه صراع الإنسان يعيد نفسه منذ أن بدأت الخليقة إلى يومينا هذا ، ذلك الحب الآني الذاتي الفئوي القبلي آل آل كذا و آل كذا وقبيلة كذا و كذا، و لكن أين آل الرحمن فيتنازع المؤمن مع أخيه المؤمن ليس في سبيل إظهار الحق وما يرضي الله و شرعه بل لحب السلطة و الجاه و كأن تلك السلطة باقية للأبد! فيذكرهم الله مرات و مرات بأن الكفرة من شذ و أبتعد عن القوانين الربانية سوف يدخل في قلوبهم الرعب و الخوف جلل ، وسببه الأبتعاد عن الله و شرعه ، ذلك التذكير من الله للمؤمنين لأنه يخاف على عباده المؤمنين بأن ينزلقوا و يسيروا على خطوات من كفر من قبلهم "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما آشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً" ..و يكرر تذكيره للمؤمنين بأن الله قد وقف معهم تكراراً و مراراً إذ أطاعوه و كأنه يهمس في أذانهم أصدقوني أصدقكم ..همس المحب و المذكر بأنني قد كنت معكم هل تنكرون ذلك؟ "و لقد صدقكم الله و عده" فلماذا يصدقكم الله و لا تصدقوه ؟ و النتيجة الواقعية إن سار المؤمنون في زماننا هذا على غير ما قد يرضي الله ! فولد الأختلاف والذي من نتائجه الفشل الذريع و الفشل يولد التباغض و التنازع و اللوم فإن سار القوم على هذا، حدث العصيان و الإنشقاق ..هذه هي الحقيقة التي يطلعنا الله عليها مذكراً و معلماً فيقول "و لقد صدقكم الله و عده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم و تنازعتم في الأمر و عصيتم من بعد" من بعد ماذا ؟..فيجيبنا مذكراً لنفوسنا التي تميل إلى الربح السريع والآني والعاجل فتكون سبباً لنكسات وجروح أكبر و أقسى "و عصيتم من بعد ما آراكم ما تحبون" .. فإن كانت نفسك للدنيا فمتاع الدنيا قليل أما إن كان هدف المؤمن هو العمل للأخرة وفيها الربح الحقيقي الدائم. فالعصيان يبدأ عندما تفتح الدنيا علينا و يطيب المقام و الطعام .. وتستقر النفس و تظن بأنها باقية فيدخل حب الدنيا و يكره الموت فتقبل الدنيا عليه و تضعف الهمم و يكثر النزاع ويعم الفشل " حتى إذا فشلتم" ثم يلحقها "تنازعتم " ثم يلحقها "وعصيتم " و يفسر لك السبب في كل ما كان يجري تلك اللحظة بل ويتكرر عبر السنين و في كل زمان و أوان، ذلك بأن الله يخبرك بأن السبب هو الإنسان الغافل الجاحد المنكر والذي يقبل محباً بل ومسرعاً نحو فتات و يتناسى الجنة بل الجنان " من بعد ما أراكم ما تحبون ...منكم من يريد الدنيا ...و منكم من يريد الأخرة" هذه هي الحقيقة هذا هو الصراع و هو أيضا يؤكد حقيقة ينساها الكثيرون بأن العمل للأخرة ليس معناه تجريدك من فرحة النصر في الدنيا و حلاوتها، لا لا أبداً و لكن الله يعدك بأنك عندما تصفوا بقلبك لله و يكون عملك للأخرة فإنك ستشعر بأنك أيضا تربح الدنيا و كذلك ستكون لك فرحة أكبر لأخرتك ..و إلا فستكون ممن جبل على حب الدنيا وحب العصبيات و إذا غرق القلب في حب الجاه والملك و المال و النفوذ فإنك ستسير ما سار عليه الخلق من قبلك و سيقودك هواك إلى ما قد مر و أنقضى من الحقب و سوف تمضى أيام أهل الهوى و يصبح مودعاً بعد أن كان عالماً ليوارى تحت الثرى و يصبح أثراً بعد عين .. /و السلام على من أهتدى.