الملك والحكيم
كان أحد الملوك متعاظما في نفسه، فخورا بها، فجلس يوما على عرشه في قصره الفخم، محاطا بخدمه ورجال بلاطه ورأى جماهير الناس تقف أمامه بخشوع فاستبد به الغرور فرفع صوته عاليا وقال: أنا سيد العالم، وجميع البشر خدم لي.
فانطلق من بين الحاضرين صوت ضعيف قائلا: أنت مخطئ، فكل البشر خدم لبعضهم بعضا.
سادت دقائق صمت مرعبة علا فيها الوجوم والخوف وجوه الجميع وتجمد الدم في العروق ، صرخ بعدها الملك غاضبا: من الذي قال هذا الكلام؟ من هذا المتمرد الذي يقول بأني خادم؟
فأجاب صوت: أنا الذي قلت ذلك. وخرج من بين الجموع شيخ ناحل الجسم بلحية بيضاء ، يتوكأ على عصا.
قال الملك : ومن أنت ؟ قال الشيخ : أنا رجل من عامة الشعب ، وليس في قريتنا ماء وجئت أطلب منك أن تحفر لنا بئرا نشرب منها قال الملك : إذن أنت متسول ، ومع ذلك تملك الجرأة والوقاحة لتقول بأنني خادم !! قال الرجل : كلنا نخدم بعضنا ، وسأثبت لك صدق كلامي قبل حلول المساء ، قال الملك : هيا أجبرني أن أخدمك ، ولو فعلت ذلك فسأحفر في قريتك بدل البئر ثلاثة آبار، ولكن لو فشلت فسأضرب عنقك بحد السيف !! قال الرجل : من عاداتنا في قريتنا حين نقبل التحدي أن نلمس أقدام من نتحداه ، أمسك عصاي يا سيدي حتى ألمس قدميك ، أمسك الملك عصا الرجل ، فانحنى ومس قدميه ، وحين قام قال للملك : شكراً لك، والآن أعد لي عصاي ، فأعادها الملك له مباشرة ، حينها قال الرجل : والآن هل تريد برهانا آخر على صحة كلامي؟
فقال الملك متحيراً : برهان ؟
فقال الرجل : لقد حملت عصاي حين طلبت منك ذلك ، ورددتها إلي أيضا حين طلبت منك ذلك ! لقد قلت لك أن الناس خدم لبعضهم ، سر الملك من ذكاء الرجل وجرأته ، وحفر في قريته عددا من الآبار ، وعينه مستشاراً في قصره .