مع تزايد النشاط العالمي في تعليم وتفعيل علوم الروبوت في التعليم والتصميم وخاصة على مستوى التعليم المدرسي، فقد أصبح من الضروري التساؤل عن الشوط الذي قطعه العالم العربي في هذا المجال، وما هي الخطوط الرئيسية التي تسير على هديها فرق تعليم وتدريب وتصميم الروبوتات. وقد وجب التساؤل إن كان هذا يسير ضمن نسق مبرمج ذو أهداف مرسومة واضحة وقابلة للتحقيق أم أنه لا زال يندرج تحت الاستعراضات الدعائية المدرسية التي ترمي بالأساس إلى جذب انتباه أولياء الأمور لغايات معروفة.
لا بد ابتداء من الوقوف على أهمية علم الروبوت على مستوى المبتدئ ثم المتقدم. فالمهارات التي يفترض أن يكتسبها المبتدئ أثناء عمله في سنواته الأولى يجب أن تؤسس له القدرة والرغبة للدخول الى مرحلة التخصص بل والاحتراف. فهذا المجال على ما يبدو سيكون حيويا في قطاع واسع من حياة البشر في المستقبل القريب والقريب جدا. ولعل من المفيد الحديث عن كل من المرحلتين بشكل مستقل. حيث أن الروبوت يمكن أن يقدم ابتداء لطلبة الابتدائية كمهارات هدفها الاطلاع والتعرف على هذا المجال، بحيث يمكن غربلة المهتمين بعد ذلك ثم تصنيف الموهوبين منهم تمهيدا لتصميم برنامج تدريبي ملائم لكل فئة. في هذه المرحلة يمكن أن تتمايز قدرات ورغبات بل وإبداعات الطلبة بما يتيح الوصول الى مجموعات تؤسس منها فرق تتخصص فيما بعد في أنواع بعينها من الروبوتات.
ولا شك أن مايقدم الآن من خلال تدريس هذا العلم في الحصص الصفية يلبي الحاجة الأولى بتعريض الجميع لتجريب تعلم وتطوير هذه المهارات، بما لها من انعكاس إيجابي في نظرته للفيزياء والرياضيات وسائر العلوم التي تبدو بحد ذاتها جامدة ومنفرة. كما تشكل المسابقات المحلية والدولية مولدا كبيرا للدافعية لدى هذه الشرائح ممن درسوا حصص الروبوت. لكن السؤال المهم هو ما هي الخطة التي تغطي الفترة ما بعد الفوز أو عدم الفوز في هذه المسابقة أو تلك؟ وهل تبقى المدرسة هي من يتحمل مسؤولية الإجابة عن هذا السؤال؟
لاحظوا أن المسار التقليدي لكل طالب يدخل المرحلة الثانوية يؤدي به بالضرورة إلى امتحان الثانوية العامة “التي ستحدد مستقبله”، وهذه في الغالب هي نهاية علاقته بالروبوت خاصة إذا توجه لتخصص غير الهندسة. ذلك أنه ينظر إليه كنشاط مدرسي انتهى بانتهائها. ومن هنا نفقد فرصة الاستثمار في المبدعين بهذا العلم والذين غالبا ما ينبغون ويتميزون فيه في المرحلة المدرسية المتوسطة.
حسنا إذن، كيف السبيل إلى الحفاظ على استمرارية الشعلة التي يطلقها العمل في “نشاط” الروبوت في المدرسة لنبني عليه حتى الوصول إلى المتخصص والمبدع بل والمحترف في علم الروبوت. وهذا يقودنا للمرحلة الثانية التي تحدثنا عنها اعلاه واتي تتضمن الخطط الحاسمة “لصناعة مهندسي الروبوت”. نعم نحن بحاجة الى مهندسي الروبوت بكل معنى الكلمة، والذين يمكنهم بأيديهم تصميم وبناء وتشغيل وتطوير الروبوتات بناء على الحاجة الفعلية لها، والتي غالبا ما تكون في القطاع الصناعي.
إن نظرة بسيطة الى حاجات القطاعات الصناعية اليوم تقودنا بجلاء إلى الدور المتعاظم الذي يلعبه الروبوت في غير مجال صناعي، فضلا عن القطاعات الأخرى من زراعة ومواصلات وخدمات مختلفة. لكن الصناعة تأخذ النسبة الأكبر من توظيف الروبوت نظرا للظروف الخطرة وغير الملائمة لعمل البشر في كثير من المجالات الصناعية. هنا يتحول دور البشر من القيام بالعمل الخطر إلى تصميم وبناء وتشغيل الروبوت الذي يمكنه القيام بالعمل على خير وجه من الدقة والانتاجية العالية فضلا عن تجنب الخسائر في الصحة أو حتى في الأرواح. ولعل الكثيرين ممن أتيحت لهم زيارة المراكز الصناعية في الغرب والشرق قد لاحظوا التقدم الكبير والتنوع اللافت في سلالات الروبوت من الصغير المتناهي الصغر الي الضخم الهائل الحجم والعمل.
ولعل التساؤل الكبير، كيف يمكننا تجسير الفجوة بين نشاط الروبوت المدرسي آنف الذكر وبين الاعداد الجاد بل الصناعة الممنهجة لمهندسي الروبوت. والجواب هنا بسيط يتمثل في إعطاء الاهتمام الكافي بل الضروري للتعليم التقني. نحن لا نكاد نرى تعليما تقنيا بالمعنى الحقيقي، وكل ما لدينا هو تعليم أكاديمي يقود لدرجة جامعية أو نصف جامعية، ثم تعليم مهني يبدأ بترك الطالب مسار التعليم ليلتحق بإحدى الورش أو الدكاكين التي تعلم “الصنعة!!” بالتواتر من المعلم إلى الصبيان واتي غالبا ما تحافظ على المستوى ذاته من المهارة المكررة دونما تطوير أو متابعة لما يدخل على هذه “الصنعة” من مستجدات. وعندما تأتي الحكومات لإضفاء جانب تنظيمي على هذا النوع من التعليم فإنهم يستعينون بخليط من المعلمين اصحاب الورش والمهندسين لاعطاء دروس التأهيل لفئتين الأولى هي العمالة التي هي اصلا في الورش بغية منحهم “شهادات” تقنن وضعهم، أما الفئة الثانية فهي الصبيان الذين قادهم تعثرهم المالي أو الدراسي لترك المدرسة والالتحاق مبكرا بسوق العمل، فيتم ادراجهم في هذه البرامج المهنية القصيرة التي تكون أول ما يطلب منهم وضعه جانبا منقبل المعلم عندما يلتحقون بإحدى الورش للعمل.
حسنا، فما المطلوب إذن؟ لا يمكن النكار أن تأسيس تعليم تقني حقيقي هو مهمة جليلة يتطلب النهوض بها الكثير من الامكانيات والخبرات والطاقات، ولعلي أفرد مقالة خاصة بمتطلبات تأسيس واطلاق ورعاية وإدامة برنامج شامل للتعليم التقني. لكن خلاصة الموضوع تتمحور في اعطاء تعليم أكاديمي موجه لبناء ثقافة ومهارة تقنية، وهنا ينبغي الميز الواضح بين مهني وتقني، فالتقني متخصص ومتعمق في التخصص الذي غالبا ما يكون من أساسيات الهندسة لكنه يعتمد على المهارة في التركيب والتنفيذ أكثر من نزعه للتصميم والتحليل. ولعل هذه الكفايات والامكانيات يتمتع بها من لديهم الميول والعقلية التقنية وهنا أعتقدأنه حري بنا البحث عن الذين يحملون هذه العقلية من سن مبكرة ربما وصلت نهاية المرحلة الابتدائية.
والخلاصة أن التعليم التقني كفيل به أن يقود صاحبه في حال توفر الرغبة والامكانات إلى الدخول على خط تصميم وتركيب وتشغيل الروبوت، وعندها ستجد الكثير من الابداعات والانجازات التي منها يمكن البدء في برنامج جاد لصناعة مهندسي ومهندسات روبوتات الغد.
د. محمد إبراهيم عوض الله.